ف أيام بعيدة.. قبل البطاريق ما تعتزل الطيران وتتفرغ للغطس، وفي مكان غريب الناس فيه مُعتقدين أنهم ثابتين ع الأرض بفعل الضغط الجوي مش بفضل جاذبية الأرض.
الناس دول، وفي الوقت ده، كان على مشارف مدينتهم بحيرة صغيرة لونها نور، وفـوسطها عايم عش كبير جواه بيضة ضخمة، أهل المدينة كانوا بيقدِّسوها أعتقادًا منهم إنها فـ يوم هتفقس ويطلع منها رسولهم.
عاشوا كذا عُمر فـ انتظار المعجزة، قضوا الفترة دي بخلاف تفاصيل الحياة، في التجمع كل يوم مرتين عند البحيرة ويتمنوا ظهور الرسول.
***********
لغاية ما فـ يوم وقت الغروب.. لون البحيرة أنطفى، والشمس أشعتها لوِّنت البيضة بلون زي لون الروح بس على أفتح، والعش بدأ يلف مكانه ببطء.
مع أخر شعاع شمس داب فـ العتمة، رجع لون البحيرة ينوَّر بهدوء شديد، بغض السمع عن صوت البيضة وهي بتتشرخ، ومع نهاية صوت قشرة البيضة أكتمل السطوع المسرحي للون البحيرة.
**************
طائر... خرج من البيضة طائر مكتمل النمو، وأضخم من كل الطيور، فرد جناحاته وانطلقت الرفرفة من غير صوت، على ضوء البحيرة والقمر تابع الناس الرسول الطائر وهو بيعلى لغاية ما اختفى.
عند الشروق رجع الطائر راكب أول شعاع شمس وصل العش، انتظر الناس أن الطائر ينطق.. لكن لغاية أكتمال الشروق ما سمعوش غير صوت قلقهم.
قرر القائم بأعمال خادم البيضة وحارس العش، وهي وظيفة متوارثة، إنه يروح بالطوف يبص جوه العش على أي رسالة مكتوبة، رغم تأكيد الجميع أن الطائر ماكانش معاه أي حاجة.
بعد عاشر رحلة بحث فاشلة دب التوتر واليأس بين الناس، وظهر كلام يشكك فـ القصة المتوارثة من قرون.
*********
ريميل طفل.. مصدق الأسطورة جدًّا، في ليلة طلع عند البحيرة، ماكانش هناك غير النسيم ونور البحيرة وشخير خادم البيضة، نزل الولد البحيرة، وأول ما جسمه كله غطته المية لقى نفسه بيطفو وقادر يمشي ع البحيرة، أتحرَّك ناحية العش بحذر وأندهاش وجنون ورهبة، مداري نوره الجديد عليه فـ نور البحيرة.. لغاية ما وصل العِش.
عند الشروق كان كل كائن بالمدينة مشغول بالبحث عن ريميل المفقود، إلا الطائر.. كان مشغول بالتعرف على طفل منوَّر نايم على أرضية العش.
مع الغروب أنطلق الطائر فـ رحلته اليومية، ولأول مرة يبقى معاه شريك.
بعد السحاب.. شاف ريميل القمر.. بعد القمر الكواكب.. بعد الكواكب النجوم.. بعد النجوم السما.. بعد السما.. الفوق.
**************
بعد شروق مافيش إنسان كان فاضي يتفرَّج عليه، ظهر الطفل راجع من ناحية البحيرة، حواليه هالة نور، وعلى وشه ابتسامة وسع المدينة، سألهم.. همة مستنيين يسمعوا إيه من الطائر؟ جاوبوه بصمت تقيل، عَكَس السؤال؛ فاتزحمت المدينة بالكلام، طلب منهم ريميل إن كل واحد يكتب كلامه براحته، ويجيبوا الورق مع الغروب الجاي عند البحيرة.
بعد انتهائهم من خلق تل ورق قدام الطفل المنير، رجع الجميع للمدينة، و
أولهم خادم البيضة، بعد ما دابت وظيفته من قلوب الناس.
راح الولد يقرا الورق بنهم عجيب، كان السطر لما تمر عينه عليه يختفي منه الكلام، فضل كده لغاية ما فضى كل الورق.. وملا قلبه، سهر طول الليل يا خد من نور الهالة ويعيد صياغة الكلام على نفس الورق.
أول شعاع شمس وصل مربوط فـ ديل الطائر، شاف فـ عشه طفل صرف كل نوره حبر على رسالة ضخمة، أكتملت كلها باستثناء التوقيعات، ربط ريميل الرسالة فـ رجل الطائر.
عند الغروب اتجمَّع الناس كالعادة، شافوا الطائر بيسابق أخر خيط نور، وفـ رجليه سوار ورق، وفـ قلبه قرار بعدم الرجوع إلا لما صديقه ينوَّر من تاني، شافوا كمان العش وريميل جواه مَطّفي تمامًا.
**********
بعد قرون أكتر من العدد، كانت المدينة فـ وسطها بحيرة، فـ وسطها عش كبير، جواه قبر، أهل المدينة بيقدسوا القبر ده، اعتقادًا منهم إن هييجي يوم وتنزل عليه رسالة من السما.
فـ ليلة.. كان وريث وظيفة "حارس العش وخادم المقبرة" بيستلم عمله لأول مرة بعد وفاة أبوه، كان شاب فشل في تعلم أي شيء غير السهر، عدى الوريث الجسر المؤدي للعش ومعاه جهله وكلوب النور.
من نواحي القمر لمح الطائر إنسان منوَّر بيدخل العش.. نزل بسرعة وبدون ألتزام بمواعيد الشمس.
أول شعاع نور وصل العش قابل فـ سكته طائر ضخم بيعجِّز وهو طاير، وبيحلف بسِر النور إنه مش راجع لعشه أبدًا بعد صاحبه الوحيد ما أتغيَّر جدًّا، لدرجة إنه ما عرفش اسمه، كمان استرد منه سوار ورق.. كان هديته الوحيدة له قبل ما يختفي كام زمن.
فـ المدينة اتجمَّع كل الناس قدام خادم العش.. يتابعوه وهو بيفك سوار الورق العتيق، لما أنفك السوار.. أنعكس نور السطور على وش الحارس، فخَرَ أهل المدينة سُجَّدًا، ولأنه كان جاهل، طلب من أي حد بيعرف يقرا يقرب منه ويقرا اللي فـ الورق.
قرأ عمدة المدينة رسالة طويلة مكتوبة بالنور وبأسلوب عجيب بالنسبة لهم، كلام عن أحداث كتير فـ الأزمان الغابرة.. وتصوُّرات وأحلام للمستقبل، وفي أخر الرسالة مافيش توقيع.
سأل قاضي المدينة الحارس منين جاب الرسالة، ولما عرف الحكاية، ووسط تهليل الناس، أعلن القاضي إن الرسالة المُنتظرة وصلت، وإن خادم المقبرة وحارس العش هو الرسول.
Comments