نحن لا نعرف الكثير عن هذه الجماعة التي أطلق عليها قدماء المصريين اسم هيكا خاسوت، قبل أن يحرف اليونانيون الاسم إلى “هكسوس”. وكان يُعتقد في السابق أن الاسم يعني الحكام الرعاة، لكننا نعرف الآن أن الكلمة تعني حكام الأراضي الأجنبية، وربما كانت تطلق على الطبقة الحاكمة من هؤلاء الغزاة، بينما كان العامة منهم يسمَون "آمو" وهي كلمة كان يطلقها المصريون بشكل عام على سكان بلاد الشام. وتترجم إلى "آسيويين".
ولا يبدو أن هؤلاء الهكسوس قد تركوا لنا أثرا يذكر من الكتابة، على عكس المصريين القدماء، وهو ما دعا بعض علماء المصريات إلى ترجيح أنهم كانوا أميين. وفي هذا الزمن القديم، حيث كانت الكتابة اختراعا حصريا على مصر ومنطقة الرافدين من الوارد جدا أن تكون جماعات بأكملها أمية.
وقد اقتصر وجودهم على منطقة الدلتا شمال مصر بينما كانت هناك أسرة مصرية تحكم في طيبة، داخل مدينة الأقصر الحالية، في صعيد مصر أو الجنوب. والدلتا المنحصرة بين فرعين رئيسين للنيل حاليا، فيما يُعتقد أنه كان في عصر مصر القديمة خمسة فروع رئيسة، هي منطقة شديدة الخصوبة بسبب الرطوبة العالية للتربة، وبينما ذلك يمثل نعمة للمزارعين فهو نقمة على علماء الآثار، لأن تلك الرطوبة تجعل التنقيب عن الآثار عملية شديدة الصعوبة.
وما يضيف إلى جهلنا بتلك الفترة التاريخية وتلك الجماعة هو ميل المصريين القدماء إلى عدم الإسهاب في تسجيل الأوقات العصيبة في تاريخهم. وقد كان هذا وقت احتلال وإهانة لحكام مصر. بل قد كانت الفترة الوحيدة التي حكم مصرَ فيها حكام أجانب منذ بدء التاريخ قبل نحو ألف وخمسمائة عام من ذلك الوقت. ويقول كاموس أحد حكام طيبة في هذا الوقت:
"إلى أي مدى تصل قوتي، بينما يوجد حاكم في أفاريس وآخر في كوش؟ أجلس مع آسيوي ونوبي، كل يأخذ قطعة من مصر، ويتقاسم الأرض معي... نيتي هي إنقاذ مصر، وضرب الآسيويين"
في ثمانينيات القرن الماضي، بدأت الأعمال الأثرية تتكثف في منطقة تل الضبعة بمحافظة الشرقية الحالية، موضع عاصمة الهكسوس القديمة أفاريس وربما ينطقها اللسان المصري الحالي"هوارة". وقد بدأت تتكشف المزيد من الحقائق عن تلك الجماعة التي يتضح من أسلوب المعمار السائد في عاصمتها أن أصولها ترجع إلى كنعان، وهو الاسم القديم لمنطقة جنوب بلاد الشام، وتشمَل في العصر الحديث فلسطين والأردن وجنوب لبنان وسوريا. كما تتضح الأصول السامية للهكسوس مما وصل إلينا من أسماء حكامهم. وأعتقد أنه يمكن لقارئ العربية أن يستشعر بيسر الحس السامي في أسماء مثل كارح أو قارح وتعني الأقرع باللغة السامية الغربية، ويعقوبيم وحبيبي ويعقوب هار. ويعقوب كما هو معروف اسم سامي، بل شديد السامية، إذا جاز التعبير.
وقد أصبح من المرجح أن هذه الجماعة ربما لم تغزو مصر بالقوة وبشكل مفاجئ كما كان يعتقد في السابق، بل لقد كان هناك وجود سامي متزايد في مصر منذ أواخر عهد الأسرة الثانية عشرة عام ١٩٩١ – ١٧٧٨ ق ع ر (قبل العصر الراهن مصطلح بديل لقبل الميلاد). وربما صعد هؤلاء الساميون إلى الحكم في شمال مصر مستغلين ضعف الأسرة الثالثة العشرة أو ربما انضمت إليهم جماعة سامية أخرى من الخارج وحكمت تلك المنطقة بالقوة.
تظهر اللوحة من مقابر بني حسن، في محافظة المنيا المصرية، عبيشا الهكسوس وعشيرته قادمين إلى مصر ويتقدمهما مسؤولَان مصريان، ويرجع تاريخ اللوحة إلى الأسرة الثانية عشرة قبيل صعود الهكسوس إلى الحكم (لاحظ كيف يرسم المصريون الهكسوس بذقن مدببة ممتدة إلى الأذنين وشعر شبيه بنبات المشروم، ولا يسعني حين أرى هذا الشعر الكثيف إلا أن أتذكر الحكاية التوراتية عن شمشون وسر قوته الكامن شعره).
ونعرف أن مجتمعهم كان يضم الكثير من الأثرياء وربما يعملون بالتجارة، وكانت لهم علاقات مع حضارات أخرى مجاورة. ومن أبرز ما عثر عليه في تلك المنطقة جدارية تنتمي إلى الطراز المينوي من جزيرة كريت. ويرجح أن مصممها ومنفذها من تلك الجزيرة، كما عثر في جزيرة كريت على قارورة اسم الملك "حيان" أحد ملوك الهكسوس.
تحكي إحدى البرديات المصرية قصة تقول إن أبو فاس حاكم مصر الهكسوسي بعث رسالة إلى الحاكم المصري في طيبة سقنن رع يقول له "أفراس النهر في بحيرتك يزعجني صوتها ليلا، ولا يمكنني أن أنام، فافعل شيئا بشأن ذلك." ويبدو من القصة التي يُعتَقد أنها من وحي الخيال أن الملك الهكسوس يستفز الملك المصري بوضوح، فيقرر الأخير أن يدخل المعركة ويحارب هذا المحتل الأجنبي. وهنا تنقطع البردية ولا نعرف نتيجة المعركة إلا أن مومياء الملك الحقيقي قد وصلتنا وعرَفنا أنه قتل بضربة على رأسه، وربما كان ذلك في معركته مع الهكسوس.
ورغم أن الملك لا يحقق نصرا على العدو إلى أن ابنه الأكبر كاموس يواصل القتال، واسمه يعني كا: الروح وموس: الذي ولد، أي الروح التي ولدت. ويأتي من بعده الأخ الأصغر أحموس، الملك المصري الأشهر الذي يتمكن أخيرا من طرد المحتل شر طردة. وأخيرا تخرج هذه الجماعة من مصر مهزومة بعد أن عاشت في مصر لمئات السنين، وحكمت مصر لنحو مائة عام. وأحموس أو إياح موس تعني القمر قد ولد، والأطفال في مصر مازالوا يتغنون في ليالي شهر رمضان للقمر باسمه المصري القديم "إياحا". ولا يخفى على القارئ أن اللاحقة في اسم أحموس وكاموس، ذات شبه واضح باسم نبي اليهود "موسى" قائد الخروج. وهو النبي الذي تقول الأُحدُوتَة أنه تربى صغير ا على يد ابنة الفرعون التي تبنته، وبالتأكيد بحسب منطق القصة نفسها، أعطته اسما مصريا جديرا بربيب حاملة حق عرش مصر العظيمة.
انتصار أحموس على الهكسوس يمثل بلا شك نصرا وفخرا للمصريين، لكن ماذا عن الهكسوس وماذا عن أسرهم وزوجاتهم ومستعبيدهم وأطفالهم، أي صدمة عاشها هؤلاء. فتخيل أن تعيش أسرتك في بلد ما ولدتَ بها ولا تعرف غيرها وطنا، ثم تخرج منها ويتعين عليك أن تبحث عن مكان آخر ووطن آخر؟ لا أعرف ماذا عنك عزيزي القارئ إلا أني شخصيا أرى في تلك التجربة الإنسانية الصادمة ما يدعو لتأليف ملحمة أدبية عظيمة تعيش لمئات بل لآلاف السنين، ملحمة يصدقها الكثيرون بل يؤمنون بها كمعتقد ديني.
لكننا لم تصلنا ملاحم من هؤلاء الهكسوس ولا نعرف عنهم شيئا ويبدو أنهم اختفوا في التاريخ. وبالطبع ربما يكونون قد اندمجوا مع الجماعات الكنعانية الأخرى، التي تشبهم في الثقافة واللسان، لكن ماذا عن تأثرهم بالثقافة المصرية خلال تلك الفترة الطويلة من الحياة في مصر. فعلى سبيل المثال، عبَدَ هؤلاء المحتلون الإله المصري ست، إله الصحراء، قاتل أوزوريس، واعتبروه هو نفسه الإله الكنعاني بعل، فأين ست إذًا في ثقافة كنعان اللاحقة. كما أنه في تلك المراحل التاريخية، بل حتى عصرنا هذا، فإن اندماج جماعة خرجت وعاشت في بلاد أخرى لمئات السنين، ثم عودتها إلى ما تعتبره أرضا لها لا يمكن أن يكون بالعملية السهلة، ولابد كانت ستحدث اضطرابات وتندلع معارك وقتل ودماء، إلا أن التاريخ لم يسجل لنا أيا من ذلك، في ذلك الزمن البعيد أقصد.
اختفى الهكسوس إذا. لكن مهلا، دعونا نراجع شيئا للحظة: ساميون يعيشون في مصر لمئات السنين؟ قبل أن يطردوا منها شر طردة؟، ألا يذكركم ذلك بشيء؟ ألا تتشابه تلك القصة مع قصص اليهود وقدوم يوسف وإخوته إلى مصر لتعيش سلالتهم في مصر لمئات السنين قبل أن يأتي ملك مصري ويطردهم؟ ألا نجد أنفسنا هنا أمام "تاريخ بلا شعب وشعب بلا تاريخ"، على وزن الجملة العنصرية القبيحة الكاذبة! أي نجد أنفسنا أمام تاريخ بلا هكسوس ويهود بلا تاريخ؟
فرغم أن عددا مخيفا من سكان هذا الكوكب مازالوا يؤمنون في عصر الإنترنت والذكاء الاصطناعي بأن أحفاد تلك الأسرة المفضلة لدى الرب مازالوا يعيشون بيننا ب"دمائهم النقية"، إلا أنه لا توجد دلائل أركيولوجية على الوجود التاريخي لتلك الأسرة التي يُطلَقُ عليها في التراث اسم "بني إسرائيل"، من بداية إبراهيم الأب والبطارقة وحتى موسى وخروجه مرورا بيوسف.
يبدو إذًا لقارئ التاريخ غير المتخصص مثلي أن هذا الربط بين تاريخ الهكسوس وقصص اليهود شديد المنطقية. ثم يأتي جوسيفوس الكاتب اليهودي السكندري الذي عاش في القرن الأول ع ر وينقل عن مانيتو المؤرخ المصري الذي عاش قبله بقرون في القرن ال٣٠٠ ق ع ر، أي بعد خروج الهكسوس من مصر بأكثر من ألف عام، ويقول لنا إن اليهود هم أنفسهم الهكسوس. ليؤكد لي ولأمثالي ممن يعيشون في الكهوف يقرؤون قليلا ويخرجون على الناس بالنظريات، أننا وصلنا إلى مربط الفرس وعرَفنا واحدة من الحقائق العتيقة التي خُفيت على الجميع!
لكننا بعد قليل من النشوة نتساءل "لِمَ لا يتحدث الجميع عن تلك الحقيقة الواضحة كالشمس؟" نفكر لوهلة قبل أن نُلهمَ بالحَلِ الحُلولِ الحَلِيلَة، ونصرخ بصوت مستلهم من الأفلام التاريخية المصرية القديمة "إنها المؤامرةُ إذًا! الخونة! الأشرار! المتآمرون!"
فالمؤامرة هي التفسير المفضل لدى الكثيرين ممن يحبون أن يطلقوا على أنفسهم اسم "مثقفين" في المنطقة التي يطلق عليها اسم "عربية"، ورغم أني أنتمي لهؤلاء وأحب أيضا أن أطلق على نفسي هذا اللقب المحترم، لكني أرى أن الحقيقة أكثر فَجْعا من ذلك، فهي تطالبنا ليس فقط أن نتخلى عن أوهامنا وحواديتنا التي توارثناها أبا عن جَد - وليس أما عن جدة - وأن تتكسر أحلامنا تكسر الأمواج على الشاطئ، بل تطالبنا ماعت، إلهة الحق والعدل والميزان، أن نقف عراة أمام العلم وهو ينظرنا في عيوننا نظرة الواقع الثاقب إلى الحالمين. فالعالم ليس بنيانا واضح المعالم يمكننا وصفه، ولا التاريخ أحداث يمكننا سردها، وكل ما نملكه هو بضعة تخمينات. أنا درامية. أعرف!
الباحثون المتخصصون لا يعتبرون كثيرا لكلام مانيتو أو جوسيفوس، لأن المؤرخين لا يعتمدون على مصدر واحد لجمع أدلتهم، لا توجد أي مصادر أخرى تربط اليهود بالهكسوس. كما أن جوسيفوس يخبرنا أيضا أنهم ربما كانوا عربا. وهذا التردد بين وصفهم بالعرب أو اليهود، ربما ينبع من أن المؤرخ اليهودي السكندري الذي عاش في ظل الدولة الرومانية وكان محسوبا على المتأثرين بالثقافة اليونانية، لم يكن في ترسانته اللغوية مصطلح "الساميين"، بمعناه البحثي الحديث لا الأسطوري العتيق، والذي يشير إلى مجموعة من الإثنيات التي تشمَل العرب واليهود على السواء.
ثم إن خروج مجموعة من الساميين من مصر، من الممكن أن يكون حدثا متكررا بشكل منتظم في مراحل تاريخية متفرقة. فمصر كانت حضارة مزدهرة ومن الطبيعي أن تكون جاذبة للهجرات. وإحدى الفرضيات الحديثة التي وضعها باحثون تقول إن قصة الخروج التوراتية ربما هي قصة رمزية لهذه الهجرات وليست وصفا لحدث واحد في التاريخ. فالباحثون المعاصرون يصرون على سلبنا كل الدراما والتكثيف. والباحثون في الحقيقة إزاء هذه المسألة لا يمتلكون سوى عدد من الفرضيات المختلفة، والتي تضع اليهود في فترات زمنية مختلفة.
الفرق بين الفرضية والنظرية أن الأخيرة تشرح ظاهرة في الواقع تم إثباتها بالأدلة العلمية، أما الفرضية فهي ظن أو تخمين نابع من قراءة لعدد من الحقائق في انتظار المزيد من التحقق والإثبات. وفيما يتعلق بأصل اليهود أو بني إسرائيل فكل ما يملكه الباحثون لنا هو فرضيات لا أكثر ولا أقل. والحقيقة الوحيدة الثابتة هي ببساطة "أننا لا نعرف"، بل ليس من المرجح أن نعرف، فأي دليل نتوقع أن يتركه لنا زمرة من الناس ارتحلوا عبر الصحراء قبل بضعة آلاف عام؟ حفر تركتها خيامهم في الرمال؟
أول ذكر مفترض لإسرائيل في التاريخ والآثار المتاحة لنا حاليا هو لوحة مرنبتاح، التي يرجع تاريخها إلى عام ١٢٠٧ ق ع ر، والتي كتب عليها الملك المصري، ابن رمسيس الثاني، أسماء أعدائه الذين هزموا على يده ومن بينهم اسم يبدو مشابها لإسرائيل. ويقول النص المكتوب على اللوحة:
أخذت كنعان غنيمة بكل شرورها:
طُرِدَت عسقلان
استولينا على جازر
أعدمنا يانوعم
خربنا إسرير، ولم يعد لبذرته وجود
أصبحت خارو أرملة بسبب مصر.
هدأنا جميع الأراضي
كل من كان مضطربا تم ربطه.
وهناك اتفاق بين علماء المصريات على ترجمة "إسرير" إلى إسرائيل، وخاصة أنه يعتقد أن المصريين القدماء لم تكن لديهم صوت"اللام" الذي نعرفه حاليا في اللغة العربية، وهي لغة سامية، والقلب بين اللام والراء في اللغات ظاهرة متعارف عليها فمثلا يشتهر سكان جنوب آسيا بقلب كلمة رايس الإنجليزية بمعنى أرز إلى "لايس".
وفي حال أن هذا الاسم هو إسرائيل بالفعل فيتعين أن يقع الخروج قبل هذا الوقت. وتتعدد الفرضيات في وضع الخروج وفترة وجود بني إسرائيل المزعومة في مصر، والزعم في اللغة يقبل الصحة والخطأ. أبرز هذه الفرضيات والتي يميل اليها الكثيرون تضع الخروج نحو عام ١٢٥٠ ق ع ر وبُني ذلك على رسائل تل العمارة التي يعود تاريخها لنحو ١٣٥٠ اي مائة عام قبل الذكر الأول المفترض لإسرائيل ومائتي عام بعد خروج الهكسوس من مصر. وتوثق تلك الرسائل لاضطرابات تحدث في منطقة جنوب الشام أو كنعان.
تتجاهل تلك الفرضية أعداد السنين التي ذكرتها التوراة على اعتبارها أرقاما رمزية مهووسة بالرقم أربعة ومضاعفاته بشكل خاص. فالتيه في الصحراء استمر أربعين عاما، وبقي بنو إسرائيل في مصر لأربعمائة وثلاثين عاما والفترة من الخروج وحتى بناء سليمان للمعبد ٤٨٠ عاما (٤ في ١٢) والوقت من بناء المعبد وحتى الرجوع من المنفى في بابل أيضا ٤٨٠ عاما.
وتعتمد تلك الفرضية على بيانات أثرية من كنعان تشير إلى أثار دمار في بعض المدن. كما يتماشى هذا التوقيت مع بناء مدينتي (بيثوم ورمسيس) المصريتين التي تزعم التوارة أنهما بنيتا على يد بني إسرائيل. وهذا يمكن أن يضع دخول يوسف وإخوته بني إسرائيل أثناء فترة حكم الهكسوس في هوارة والتي استمرت من نحو ١٦٥٠ وحتى ١٥٥٠ ق ع ر، وبذلك نضع نهاية سعيدة للقصة ونرد على المتشككين الغَلَسين الذي يقولون إن اسم يوسف لا يوجد في التاريخ المصري. لكن تلك الفرضية في الوقت نفسه تضع الخروج في عهد رمسيس الثاني، وهو واحد من أعظم ملوك مصر القديمة، ولأننا، نحن المصريون، أصبحنا مؤخرا متحمسين بشكل خاص للحضارة المصرية القديمة، وفي الوقت نفسه نحن شعب مؤمن "بطبعه" بالديانات الإبراهيمية السامية، فمن المثير لحفيظتنا المتحفظة أن يلعب هذا الملك المصري العظيم دور الشرير في هذه الحدوتة اليهودية المقدسة، ثم إن رمسيس الثاني لم يمت غرقا أصلا، ولا يمكن أن ننكر ذلك مع الآسف لأن مومياءه مازالت لدينا حتى الآن، لكن بالطبع الباحثين أسقطوا من حساباتهم معجزة شق البحر بل وكل المعجزات الأخرى وهم يضعون فرضياتهم لأنهم، كما نعرف، معظمهم كفار يعملون لدى الجامعات الكافرة في الغرب الكافر.
وقد تفتق الذهن المصري عن نظرية جديدة مفادها أن كلمة "فرعون" لا تشير إلى ملك مصر أصلا، لأنها لم تُذكَر في الآثار المصرية. وأنت حاليا لا تجرؤ على كتابة هذه الكلمة الشريرة للإشارة إلى ملك من ملوك مصر القديمة، وإلا وجدت نفسك أمام الحر والحرور وعظائم الأمور. لكن من هذا الذي غرق مع جيوشه إذا؟؟؟ وهل هذا يعني أن بني إسرائيل لم يكونوا في مصر أصلا؟ أحد علماء المصريات يعتقد أن كلمة فرعون هي تحوير يوناني لكلمة بير أون أو سيد البيت. في الوقت نفسه هناك فرضية أخرى للمؤرخ اللبناني كمال الصليبي، وهو أكاديمي موثوق به في الأوساط البحثية، تضع الخروج برمته في جنوب غرب الجزيرة العربية. وتخرج مصر من اللعبة كليا.
لقد كُتِبَت مجلدات ومجلدات في محاولة لرسم سيناريو ما يضع بني إسرائيل أو اليهود في التاريخ بشكل ما، وكلها تقع في إطار الفرضيات. وإذا أرادنا أن نقف مع العلم فعلينا أن نمرن عقلنا على هذا الموقف الجديد ونتقبل بصدر رحب هذه الحالة من عدم القدرة على المعرفة الواثقة، وهو ما قد يمثل لبعضنا تلك الفاجعة التي ذكرتها في السابق.
والسؤال الذي يفرض نفسه في النهاية: ما هي أهمية تلك الحكاية أصلا؟ هل لها أهمية على الإطلاق؟ ما أهمية أن تكون حقيقية أو غير حقيقية؟ وهل تغير من واقع أننا في القرن الحادي والعشرين مازلنا أمام دولة تقيم حقها في الوجود بالكامل على أسطورة سخيفة، وتمارس القتل والقمع للسكان الأصليين، على غرار ما فعله المهاجرون الجدد في الأمريكتين؟
المراجع الأساسية:
كمال الصليبي، التوراة جاءت من جزيرة العرب
Comments